المعاملات التجارية في الإسلام

 مشروعية التجارة
إن التجارة من الكسب الطيب الذي حث عليه الإسلام وأمر به، فقد روى البزار والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ: أي الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور." 
قال العلماء: والبيع المبرور ما ليس فيه غش ولا خداع، ولا ما يخالف الشرع.
ومما يبين أهمية التجارة في الإسلام أن القرآن الكريم يسمى أرباحها فضل الله، ورد ذلك في قول الله تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ]المزمل:20[
وقال تعالى:  (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) ]البقرة: 198 [
وقال تعالى:  (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)  ]الجمعة:10[
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما من مكان أحب إلى أن يأتيني فيه أجلي بعد الجهاد في سبيل الله إلا أن أكون في تجارة أبيع وأشتري، وقد أخذ هذا المعنى من قول الله تعالى:  (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ]المزمل:20 [
إلا أن في التجارة، مخاطر ومحاذير نبهنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذرنا منها مثل: الإفراط في حب الدنيا وجمعها وكسب الأرباح والاشتغال بذلك عن ذكر الله وعن الواجبات نحو الدين والأمة. والحاصل أن التجارة من الكسب الحلال الذي رغب فيه الإسلام إذا سلمت من الغش والخداع والاحتكار والأيمان وخاصة الكاذبة
الحُسبة في الإسلام
الحُسبة لغة: مشتقة من الاحتساب وهو طلب الأجر كما في الحديث: من صام رمضان إيماناً واحتساباً. أي طلب الأجر من الله تعالى.
أما في الاصطلاح فهي "أمر بالمعروف إذا ظهر تَرْكُه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله". 
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعم من الحسبة، فيؤمر بالمعروف وإن لم يترك، وينهى عن المنكر وإن لم يرتكب.
وفي تطوُّرها فقد تَعَدَّتِ الحسبة هذا المعنى الديني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى واجبات عملية مادِّيَّة تتَّفق مع المصالح العامَّة للمسلمين، كما تناولت أمورًا اقتصادية؛ وذلك لتضخُّم المدن الإسلامية بأرباب الحرف والتجارات، فكان عمل المحتسب الأساسي منع الغش في الصناعة والمعاملات، وبخاصة الإشراف على الموازين والمكاييل وصحَّتها ونسبها.
معاملات غير مشروعة في التجارة
الإحتكار
الإحتكار هو حبس التجار طعامَ الناس وأقواتَهم عند قلتها وحاجتهم إليها ليرتفع السعر ويغلى، وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز إذا أضر بالناس.  ودليل التحريم عندهم ما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحتكر إلا خاطئ.. وفي المستدرك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى: أن يحتكر الطعام. الاحتكار يجري في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه.
الغش
الغشّ ظاهرةٌ اجتماعيّة خطيرة، يقوم فيها الكذب مكان الصدق، والخيانة مكان الأمانة، والهوى مقام الرّشد، نظراً لحرص صاحبها على إخفاء الحقيقة، وتزيين الباطل.
ومظاهر الغش والخداع كثيرةٌ، جاء أحدها في موقفٍ سجّله لنا التاريخ، وفيه أنه النبي –صلى الله عليه وسلم- كانت له زيارةٌ إلى السوق ليشتري ما يحتاجه، فاستوقفه منظر كومة من طعام وقد عرضها صاحبها للبيع.
ومن النظرة الأولى أُعجب النبي –صلى الله عليه وسلم- بالطعام فهو يبدو فائق الجودة والنضارة، لكن الفحص الدقيق يُظهر ما كان خافياً، فقد أدخل النبي عليه الصلاة والسلام يده الشريفة إلى تلك الكومة فإذا بها مبتلّةٌ على نحوٍ يوحي بقرب فسادها.
استدار النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى الرجل، وألقى إليه بنظرةِ لائمٍ وأتبعها بسؤال المعاتب: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟ ) ، فأطرق الرجل رأسه في خجل وقال: ": أصابته السماء يا رسول الله"، وكأنه يريد أن يعتذر عن فعلته ولكن بما لا يُعتذر به، وأن يُبرّر موقفه ولو بأقبح التبريرات، كل ذلك محاولةً منه في تخفيف غضب النبي عليه الصلاة والسلام وعتابه.
لكنّه رسول الله، ومعلّم البشريّة، ومتمّم الأخلاق، ما كان له أن يتغاضى عن موقفٍ كهذا، وليس الموقف موقف مجاملات أو صفحٍ عن خطأ فردي، ولكنّه أوان ترسيخ مبدأ عظيم يحفظ حقوق الناس ويصونها من العبث والتدليس: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني)
التطفيف في الكيل والميزان
ومن ألوان الغش تطفيف المكيال والميزان. وقد اهتم القرآن بهذا الجانب من المعاملة، وجعله من وصاياه العشر في آخر سورة الأنعام: (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفسا إلا وسعها) الأنعام:152. وقال تعالى: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) الإسراء:35. وقال تعالى: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين) سورة المطففين:1-6.
وعلى المسلم أن يتحرى العدل في ذلك ما استطاع، فإن العدل الحقيقي قلما يتصور، ومن هنا قال القرآن عقب الأمر بالإيفاء: (لا نكلف نفسا إلا وسعها).
وقد قص القرآن علينا نبأ قوم جاروا في معاملاتهم، وانحرفوا عن القسط في الكيل والوزن، وبخسوا الناس أشياءهم، فأرسل الله إليهم رسولا يردهم إلى صراط العدل والإصلاح كما يردهم إلى التوحيد.
أولئك هم قوم شعيب الذين صاح فيهم داعيا ومنذرا: (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) الشعراء:181-183.
وهذه المعاملة مثال لما يجب أن يكون عليه المسلم في حياته وعلاقاته ومعاملاته كلها؛ فلا يجوز له أن يكيل بكيلين أو يزن بميزانين؛ ميزان شخصي، وميزان عام، ميزان له ولمن يحب، وميزان للناس عامة؛ ففي حق نفسه ومن يتبعه يستوفي ويتزيد، وفي الآخرين يخسر وينتقص.
المراجع:
 www.islamweb.net
www. qaradawi.net